الرئيسية / التصحر والمولدات الكهربائية تلوثان بيئة العراق وتخنقان السكان

التصحر والمولدات الكهربائية تلوثان بيئة العراق وتخنقان السكان

أحمد عباس ـ بغداد 
يعاني العراق منذ نحو ثلاثة عقود وبشكل تصاعدي، من أزمة بيئية خانقة نتيجة ارتفاع نسب التلوّث، جرّاء الحروب التي بدأت منذ عام 1980، والانبعاث من الغاز والنفط المحترق في الأجواء، والمولدات الكهربائية الأهلية المنتشرة في كل احياء ومناطق العراق تقريباً.
ومع شبه انعدام الخطط الفعلية او "الصادقة"، من قبل السلطات المختصة في البلاد، لاحتواء الضرر، طرحت الحكومة العراقية، ما وصفتها بـ"الورقة الخضراء"، لمواجهة التغيرات المناخية، وسط تزايد المخاوف من أن يؤدي موسم الجفاف الذي ضرب البلاد للسنة الثالثة على التوالي إلى انحسار مساحات الأراضي المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشعير.
في غضون ذلك، تشير دراسة أجراها فريق من الباحثين الأمريكيين في مركز دراسات الحرب بنيويورك عام 2011، إلى أن "الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض".
ويرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي، أحمد صدام، وجود صعوبة بتحقيق التحوّل السريع في العراق للبيئة السليمة، نحو مبادرة الاقتصاد الأخضر، ما لم يتبع سياسات بيئية متشدّدة (strict environmental policies) من خلال استخدام التكنولوجيا الإنتاجية في فروع الإنتاج التي تسبّب التلوّث، لا سيما قطاع الصناعة الاستخراجية"، مبينًا أن "هذا غير متاح في الوقت الحاضر وفقًا للسياسات الاقتصادية الحالية، ما يعني أن عوامل النجاح المطلوبة تتمثّل في تفعيل سياسة بيئية متشدّدة تجاه المستثمرين المحليين والأجانب، ورفع القيود تجاه استيراد السلع الملوّثة للبيئة والتخلّص من حرق الغاز الطبيعي تدريجيًا".
وترتفع نسب التصحر في العراق، لعدم وجود سياسة زراعية سليمة أو وجود اهتمام حكومي في الأحزمة الخضراء للمدن، وفقًا لصدام الذي يقول إن "التقديرات الدولية تؤكد على ضرورة وجود 8 أشجار مقابل كل مواطن، مشيرًا إلى أن "التصحر قد أدّى لهجرة الأيادي العاملة الفلاحية للمدن لشحة المياه وانعدام التكنولوجيا الحديثة بالري، حيث تنخفض الأراضي المزروعة سنويًا بنسبة 10%".
ويؤشر الباحث، عوامل مناخية أخرى للتلوث، تتمثل بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدل هطول الأمطار، يرافقها الحروب والنزاعات التي قادت إلى تغيير ديموغرافي كبير بمناطق الريف العراقي.
وفي لغة الأرقام، وبشأن انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من حرق الغاز، يؤكد الأكاديمي أنها "ارتفعت من 15.39 طن عام 2004 إلى 35.24 عام 2022 أي زيادة بأكثر من 50%"، لافتًا إلى أن "السياسة الاقتصادية في العراق لم تأخذ بنظر الاعتبار أهمية استثمار الغاز  لتقليل التلوث، بدلًا من حرقه عند منح تراخيص الاستثمار  للشركات النفطية على مدى السنوات الماضية وما زال، حيث يزداد مستوى حرق الغاز المصاحب في القطاع النفطي  مع زيادة مستوى استخراج النفط".
وفي ذات السياق، يشير إلى أن "الانبعاثات من الاستخراج النفطي لوحده ارتفعت من 95.49 طن لعام 2004 إلى قرابة 160.34 عام 2019 وبنسبة زيادة تقدر ب 50% أيضًا"، معتبرًا أن ذلك يمثل "وجود علاقة متوازية ما بين ثاني أوكسيد الكربون الناتج من حرق الغاز، والاستخراج النفطي، وكلاهما يؤثر في ارتفاع تلوث الهواء الذي أدى لزيادة كبيرة في مستوى الأمراض التنفسية مثل الربو والحساسية والسرطان، حيث بلغت آخر إحصائية للمصابين بها نحو 24 ألف فرد".
وتبيّن أحدث إحصائية صادرة عن البنك الدولي، بحرق العراق أكثر من 17 مليار متر مكعب غاز سنويًا، تجعله في المرتبة الثانية بعد روسيا، كما وتعادل انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن المحروق من الغاز العراقي نحو 10% من إجمالي الانبعاثات العالمية، ليعتبر العامل الرئيس لتلوّث المناخ.
ويختلف علي البدري، الأكاديمي المختص في جغرافيا البيئة، مع الطرح السابق بعدم سرعة تخلّص البيئة في العراق من التلوّث الحاصل، مشترطًا عدة نقاط، أبرزها الإرادة الحقيقية لتطبيق الخطط، فضلًا عن الحاجة لمجموعة من الإجراءات السريعة، منها أصدار ضوابط وعقوبات صارمة بحق كل من يعبث بالبيئة، وتحويل كل مجاري الصرف الصحي التي تذهب للأنهار وبناء مجمعات ومحطات معالجة للاستفادة منها.
ويضيف البدري، أن "البلد بحاجة ماسة لإنشاء مزارع كبيرة بالاعتماد على المياه الجوفية في المناطق التي توجد فيها الكثبان الرملية، وأهم الإجراءات هو نشر الوعي البيئي لدى المواطنين من خلال وسائل الإعلام المختلفة".
وبينما يُقر المختص بـ"التحوّل السيئ الحاصل منذ سنوات وزيادة الملوثات بارتفاع عدد السيارات وانتشار المولدات الكهربائية الأهلية بشكل كبير، قال إن "فصل الصيف في العراق يشهد تسجيل حالات أمراض وإصابة بالجهاز التنفسي أكثر من الشتاء، وذلك بسبب الغبار المتطاير، وما يحتويه من بكتيريا ومعادن سامة يستنشقها الجميع". 


وأعتبر الأكاديمي، أن "مخاوف التغييرات المناخية في العراق، لا تختلف كثيرًا عما بدول العالم جميعًا، مستدركًا "لكنه يواجه تحديات حقيقية لعدم وجود تخطيط سليم لمواجهة هذه المشكلة التي سوف تنعكس على قلّة الموارد المائية وتدهور الأرض الزراعية، وزيادة العواصف الغبارية، وانتشار الأوبئة، والأمراض، وتدهور التنوّع الإحيائي خلال السنوات المقبلة بأضعاف ما يحصل حاليًا".
وعلى نطاق قريب، رصدت مؤخرًا شركة التحليلات الجغرافية "كايروس"، حدوث سحابة لغاز الميثان، وهو أحد غازات الاحتباس الحراري، في سماء العراق في تموز ما قبل الماضي، تزامنًا مع حدوث تسريب في المنطقة ذاتها، وفقًا لما نقلته وكالة بلومبرغ للأنباء، التي أوردت أن "خط أنابيب تديره شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية قام بتسريب غاز البترول المسال في 20 تموز 2021، بالقرب من مكان اكتشاف عمود كبير من غاز الميثان غربي البصرة".
وذكرت الوكالة، أن "الشركة رصدت السحابة على بعد 140 كيلومترًا غرب البصرة، وقد أطلقت الميثان بمعدل 73 طنًا في الساعة، كما أشارت إلى أن "عمود الدخان المنبعث في تموز/يوليو جاء بعد رصد انبعاثين آخرين للميثان في العراق حدثا في 23 تموز/يوليو و24 حزيران/يونيو الماضي، في منتصف المسافة بين البصرة وبغداد، وذلك بمعدل انبعاثات بلغ 181 و197 طنًا من الميثان في الساعة".
المولدات الكهربائية تزيد العبء على البيئة
ويواجه العراق نقصاً خطيراً في إمدادات الطاقة الكهربائية، وقد أدت التدابير البديلة للحصول على الكهرباء من مصادر أخرى غير محطات توليد الطاقة الى واقع بيئي غير صحي في مدن العراق جميعها.
وتشترك الأُسر العراقية بمعدل 15 أسرة في تقاسم الأمبيرات التي ينتجها مولّد مشترك يعمل بوقود الديزل، وهذه حالة موجودة في كل أحياء المدن العراقية، ويمكن تصور المشهد: عدد هائل من المولدات التي تعمل بالديزل، صنع معظمها قبل أكثر من عشرين سنة بسبب العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على العراق في التسعينات، لذا تطلق عند تشغيلها كميات كبيرة من الدخان الأسود (دقائق الكربون) وتصدر أصواتاً عالية مزعجة.
وبما أن هذه المولدات تعمل بوقود الديزل ولا تخضع لتشغيل وصيانة فنيين، فان محركاتها لا تؤدي أداء جيداً، وعمليات إحراق الوقود لا تتم بالشكل التام، فتنتج كميات كبيرة من غاز أول أوكسيد الكربون وتطلق كميات كبيرة من دقائق الكربون إلى الجو. وقد باتت الجدران المكسورة بالسخام اللزج منظراً مألوفاً في أماكن وجود هذه المولدات، كذلك سطوح المنازل وسقوف السيارات المركونة بالقرب منها. 
ووضعَ تقرير دولي، العراق من ضمن الدول الاكثر تلوثا في العالم وهو بذلك يصبح غير صالح للعيش بسبب الانبعاثات الخطيرة التي تصدرها العديد من الامور ابرزها مولدات الكهرباء التي بدأت تلوث الهواء وتصبح اكثر فتكاً بحياة المواطنين.
وكان تقرير دولي أعده موقع "وورلد بوبيوليشن ريفيو" الإحصائي قد وضع العراق ضمن قائمة الدول الأكثر تلوثا للهواء في العالم.
الخبير البيئي حيدر معتز، اتفق مع هذا التقرير بان "الهواء في العراق اصبح ملوثا بشكل كبير ويشكل مصدر خطر على حياة البشر"، داعيا "الحكومة الى ايجاد البدائل السريعة قبل تفاقم الامور".
وقال معتز: "بصفتنا خبراء بيئة نتفق مع هذا التقرير وغيره من التقارير التي تجعل من العراق يحتل مراكز اولية في التلوث بالعالم بسبب كثرة الانبعاثات والغازات التي تصدر يوميا من عوامل عديدة ابرزها المولدات الكهربائية الموجودة وغيرها من العوامل التي توثر في تلوث الهواء وبعض الاكاسيد الكاربونية الموجودة بهذه الغازات التي يمكن ان تلوث الهواء بكميات كبيرة".
وأضاف، ان "الحلول تكمن في معالجة الانبعاثات التي تصدر من هذه المولدات ونحتاج الى وحدة معالجة تلوثات الهواء"، مبينا ان "الموضوع في البدء بشكل جزئي يتضمن القضاء على هذه الانبعاثات الخارجة من المولدات الكهربائية والتي تشكل خطرا كبيرا على صحة المواطنين وبعدها البدء بايجاد الحلول البديلة من خلال وضع ستراتيجية بيئية جديدة تضعها وزارة البيئة". 
وبين مسار الراضي الخبير البيئي، أن "للمولدات عدة تاثيرات أولها بيئي، حيث أن هذه المولدات تعمل بوقود الديزل ولا تخضع لتشغيل وصيانة فنيين، بالتالي فأن محركاتها لا تؤدي أداء جيداً، وعمليات إحراق الوقود لا تتم بالشكل التام، فتنتج كميات كبيرة من غاز أول أوكسيد الكربون وتطلق كميات كبيرة من دقائق الكربون إلى الجو".
وأضاف، أن "الهواء في المدن العراقية غير صحي أساساً لتشبعه بدقائق غبار ملوث، وتدل على ذلك حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي التي تسجل مستويات قياسية"، مبينا أن "الأمراض التنفسية تزداد بشكل ملحوظ لدى الأسر التي تسكن بالقرب من هذه المولدات".
وتابع ان "التأثير الآخر على البيئة النباتية، حيث يحدث التأثير عن طريق إدارة المولدات التي يديرها متعهد غير مهني، فان عمليات تعبئتها بوقود الديزل تتم بطرق بدائية ينتج عنها انسكاب كميات محسوسة من الوقود إلى التربة، ما يؤدي مع مرور الأيام الى تحول الأراضي حول المولدات الى أراض ميتة وتربة مشبعة بالوقود لا تصلح لأي زراعة مستقبلاً. وتكثر هذه المناطق في المدن العراقية، التي هي أساساً مدن زراعية".
وختم الراضي حديثه، بأن "المولدات تؤثر على البيئة الحيوانية، عن طريق الضوضاء التي تصدرها بترددات مختلفة تزعج الطيور التي هجرت المدن العراقية"، مبينا أن "المحزن أن الحمام المطوق العراقي اختفى نهائياً من هذه المدن، في ظاهرة لم تشر اليها أي جهة بيئية".
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الانسان.



20-04-2022, 15:22
المصدر: https://ejaz-news.iq/120--.html
العودة للخلف