الرئيسية / الشاعر الذي أسس "مليشيا"

الشاعر الذي أسس "مليشيا"

شاعر يرفع صوته ليسخر، متذمر دائم من الطائفية ويدعو في نصه إلى نبذ العنف والحرب وتقبل الاختلاف في المجتمع. توثق نصوصه مشاهد مأساوية اعتادها العراقيون وتشاركهم المشاعر بعمق.

الغرابة في أفكاره كثيرة وتؤسس لمعانٍ صارخة يحملها النص، وتبعاً لهول الحدث وثقل اللحظة يختار أسلوب الكتابة. ولهذا تبدو بعض قصائده كشظية خرجت من انفجار ما، في الموصل أو في شوارع بغداد.

الموت والحزن. القتل والدم والأسلحة والتفجيرات. كلمات مباشرة يلجأ إليها ليدل على ما يعانيه مواطنوه من كوارث.

يقول: "نحن العراقيين

نصنع أبواب بيوتنا من الحديد لنصدأ خلفها..

نحن العراقيين.. 

نزرع المقابر أمام البيوت..

نحن العراقيين.. 

دودة نائمة في رمانة العالم".

في 2016، صدرت المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الشاب كاظم خنجر بعنوان "نزهة بحزام ناسف"، وفي العام التالي صدرت مجموعته الثانية "تاجر دم" باللغتين العربية والفرنسية، ولاحقاً، في 2019 صدرت له باللغة الألمانية مجموعة ثالثة حملت عنوان "تاجر دم" وترجمت إلى العربية، وفي العام الماضي صدرت له عن دار "درج" مجموعة "نتقاتل للتسلية".

وبرز خنجر، المولود في بابل عام 1990 والحاصل على درجة الماجستير في الفنون المسرحية، عندما أسس "ميليشيا الثقافة" مع عدد من أصدقائه، إذ لم يكتفوا بكتابة الشعر وإلقائه بل عمدوا إلى تجسيده فيما يمكن وصفها بمسرحيات شعرية أدوا بعضها في أماكن وقعت فيها تفجيرات بسيارات مفخخة، وهو اليوم يتنقل بين العراق وفرنسا.

يكتب كاظم خنجر بلغة انسيابية وتعدد صياغتها حيث تتمزج بشكل ممل، المواقف المكررة في حياة الإنسان العراقي، محور قصائد كاظم، فيرصدها ويدخلها حيز الشعر، متكئاً على مهارة في تركيب اللغة بحداثية ومراوغات شعرية، ودائماً ما يحدث تمايله في صناعة النص صدمة فنية في الخاتمة، يجيد الشاعر صقلها.

منصة "إيجاز" حاورت كاظم خنجر:

هل تتعبك الكتابة ؟ هل هي فعلًا كما يصفها البعض كجلد الذات؟

أعتقد أن الكتابة تذهب بالإنسان إلى أبعد من التعب؛ فالكائن الذي يختار الكتابة يتحوّل إلى (حمار) تدريجياً . يفهم طبيعة الوجود البسيطة وخيارات الحياة السهلة. يأكل ويشرب ويتأمّل طويلاً ، ومن ثم تتلاشى من قاموسه مفردة (التعب) و ملحقاتها، أو يستبدلها بمفرداتٍ أشد وقعاً كالخسارة أو الألم أو البرسيم.

الذات مسكينة نجلدها كل يوم، نبدأ بدفعها نحو "الجلجلة" عند كل صباح حتى تكون على الصليب بينما نحن نضع رؤوسنا على الوسادة ليلاً. بالنسبة لي أحاول أن أجلد الكتابة عبر الذات، أن أحوّل الكتابة إلى   "مكبّ نفايات" لكل العقد والمشاكل النفسية والاجتماعية التي أحملها

في نصوصك نزعة من الحزن؟

-يأخذ الحزن لدينا نحن العراقيين شكلاً عضوياً، يؤثر على سائر ممكناتنا الحسية ويتحكم بها، لاننفصل عنه ولا يمكننا أن  نعي مقدار تحكّمه بنا؛ لهذا ينسحب الحزن على كل شيء نفعله ونشعر به، والكتابة من أضعف النقاط وأسرعها استجابةً.

ما هي أهمية الذاكرة في عملك الإبداعي، و كذلك عامل الزمن؟

-أنا أؤمن بأن الذاكرة هي  وسيلة الإنسان الوحيدة في دفاعه عن نفسه  ضد المخاطر الخارجية، وبما أن لكل حيوان وسيلته؛ فالذاكرة وسيلتنا، مخلبُنا وجلدنا السميك، أجنحتنا و جحورنا اللانهائية. يقوم تعاملي مع الذاكرة وفق هذا المنطلق.

ولكن.. أي ذاكرة مهشمة نحمل نحن كعراقيين؟ أي ذاكرة قاموا بمحوها ومسخها وتشويها مئات المرات؟ أي ذاكرة أعادوا ملأها مئات المرّات؟ لهذا من أشد لحظات الكتابة رعباً بالنسبة لي هو التعامل مع الذاكرة في شريطها الزمني.

هل نسير إلى التفاهة والابتذال؟

-أتمنى لو يحدث ذلك. أتمنى أن نسير حتى لو إلى الجحيم، لكننا بلا أقدام. لا نفهم معنى أن نسير، مجرد أحجار هامدة لا تقوى على أن تقف حتى التفاهة والابتذال أعلى مراتب المشاعر البشرية .. الملوثة الآن بالأخلاق والقيم الميتافيزيقية والدينية الزائفة. الإنسان لن يبلغ التفاهة والابتذال حتى ينسلخ من مفاهيم وهمية كالحرية والعقل والمثال التي عملت تدريجياً على تدجينه وتخديره. 

أن تكون تافهاَ فهذا يعني أن لديك القدرة على ألّا تلوث جسدك في مياه هذا العالم الآسنة. 

أن تكون مُبتذلاً هذا يعني بأنك ما زلتَ حاداً ويمكنك أن تجرح.

كثير من نصوصك ينحو منحى واقعيّاً، أين يبدأ الواقع عندك وأين ينتهي؟ و هل ثمة "علاقة شخصية" تجمعك و نصوصك؟ 

-كل ما حاولت كتابته هو عبارة عن وثائق صغيرة لواقع أبدأ فيه وأنتهي دون أن ينتبه، هذه المحاولات الصغيرة لا يمكنها أن تكون بداية للواقع أو تقترح نهاية له. بينما يمكن لهذه المحاولات أن تسير في ظلال أحداث ومشاهد وصور ربما ينكرها هذا الواقع أو يعتدُ بها

هذه المحاولات النصية تأتي كمُشاهدات وتجارب شخصية تربطني بها علاقة غريبة كونها ذاكرة شخصية بالنسبة لي من جانب، ومن جانب آخر كونها الشيء الوحيد الذي أرتبط به من دون أي مشاعر سواء بالسلب أو الإيجاب بمعنى (لا أحب ما أكتبه، ولا أدافع عنه).

ما الذي دفع الشاعر والكاتب كاظم خنجر للـ"نزهة بحزام ناسف"؟

-لحظة ظهور ما يسمى بـ(داعش) أصبح لدي مباشرة نوعٌ جديدٌ من الخوف وولّد الكثير من الأزمات النفسية المتتالية التي كنت بدوري أفرغها بالكتابة، فوجدتُ نفسي أكتب في هذا الكتاب الذي جاء كرد فعل على ما حدث

أحداث النص غير المتوقع و تسلسله المرن أنقذهُ من عنصر التكرار والرتابة. هل فطرة الابداع والموهبة وحدها القادرة على ذلك أم أن تراكمات خبرة الكاتب تساهم في هذا الأمر؟

-أنا مع فكرة الخبرة والتجربة الحسية للكاتب، وبالضد من فكرة الموهبة والابداع الفطري، فالكتابة لا يمكنها أن تكون بهذه العشوائية التي تستدعيها فطرة الموهبة. الملاحم والأساطير الأولى قامت على منطق درامي وفني مُحكم وقد ثبته أرسطو في كتابه "فن الشعر" مثلا

هل وصلت إلى قناعة بأن النصوص الشعرية هي من تمنحنا المعنى الحقيقي للحياة؟

-هذا سؤال قاتل لا أستطيع أن أجيبه إلّا بسؤال: وهل هناك معنى حقيقي للحياة يا أبرار؟

ما الكتب التي تستهويك؟

الكتب التي تتحدث عن الملح، والفحم، والأحجار، والمعادن. -

أنت و زملائك في "ميليشيا الثقافة" قمتم بأداء النصوص الشعرية التي تناولت الحرية و الحرب و القتل كـمسرحة شعر، على وفاق أن أداء الشعر يختلف بالطريقة المعروفة عن قراءته. كيف فعلتم ذلك؟

-ميليشيا الثقافة جاءت كحتمية تاريخية؛ ففي ظل كل هذا الجحيم والخراب والموت والمجازر يجب أن يخرج أدب يعيد قراءة ما يحدث، أو يحاول أن يفسر ما يحدث على الأقل. من هنا تبلورتْ فكرة ميليشيا الثقافة مع محمد كريم ومازن معموري وعلي ذرب ...الخ، كمحاولة لالتقاط صورة مختلفة لما يحدث؛ لهذا اقترحنا الفعل أو الأداء؛ لأن الكتابة وحدها لا يمكنها أن تكون كافية في ظل الجحيم الذي نحن فيه.  

ما الذي يشجعك على خوض هذا المجال؟

-الخسارة. 
هل ترى أن الوطن العربي يعاني من أزمة قراءة وخاصة في مجال الأدب؟

-لا توجد أزمة قراءة أبداً، بل الأزمة الحقيقية في الأدب ذاته. الأدب المليء بالشكلانيات والكلائش. الأدب الذي يمسح أحذية التاريخ والسلطات. الأدب الذي يدور في دهاليز المعاجم والطلاسم. الأدب الذي يحتقر الإنسان ويقدس الأيديولوجيات. الأدب الغارق في العبر والأخلاق الميتة. كيف يمكن لهكذا نوع من الأدب أن يكون مؤثراً أو محطاً لثقة المتلقي؟.

في نصوصك يوجد صراع مع الواقع وترّصد لقضايا ومفاهيم عديدة عن النضال والهوية والإرهاب وغيرها.. هل هو اختيار مقصود؟

كل هذه المفاهيم والقضايا هي مسؤولية شخصية قبل أن تتحول إلى مسؤولية أدبية، فالخوف من الوجود والبحث عن الهوية ضمن الدائرة الاجتماعية والسعي إلى تثبيت هذه الدائرة ضمن دوائر اجتماعية أخرى مقترحة، ما هو سوى اعادة اكتشاف للنفس في محيطها، بعيداً عن نوع مفرزات هذا المحيط.. يقول (وول سوينكا) في مسرحيته (مجانين واختصاصيون): "اننا مثل هذه النسور الكاسرة . فنحن ننظف مخلفات الآخرين، ولا بد أن يشعر الجمهور بالعرفان والامتنان لنا". وربما لن يشعر الجمهور بشيء، أو نحن في مرحلة الجمهور لا يستطيع حتى الشعور بنفسه.

أختم بسؤال نمطي متكرر صار لازماً في سلسلة الحوارات مع أساتذة قصائد النثر و شعراءه: لمَ تكتب اليوم؟ و هل ثمة جدوى ما تتحقّق من فعل الكتابة؟

-لأني لا أستطيع الكتابة غداً،

أكتبُ اليوم.

ولأن لا جدوى من ذلك،

أكتب اليوم.

ولأن الكتابة لا تحقق شيئاً،

أكتب اليوم.




1-04-2021, 22:11
المصدر: https://ejaz-news.iq/14--.html
العودة للخلف