احمد هادي- بغداد
تعاني العاصمة بغداد من نسبة تلوث كبيرة في الهواء، فيما سجلت اعلى معدلات لعدد من أنواع الملوثات ابرزها تركيز غاز ثاني أوكسيد الكبريت، وهو غاز شديد السمية، وعديم اللون وعادة ما ينتج عن حرق الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنّفط والغاز.
وفي أواخر العام 2021، كشفت وزارة التخطيط "أعلى معدل سنوي لتركيز غاز (SO2) ظهر في محافظة بغداد بواقع 0.059 جزء بالمليون، أما أقل معدل سنوي لتركيز (SO2) فقد سجل في محافظة بابل وبواقع 0.008 جزء بالمليون".
واشارت الى ان "عدد المحافظات التي تقيس المعدلات الشهرية والسنوية لمجموعة من الغازات والمواد الملوثة في الهواء عن طريق محطاتها، هي محافظات بغداد وبابل والمثنى وكركوك فقط". مبينة ات ان "عدد محطات مراقبة نوعية الهواء العاملة في تلك المحافظات تبلغ 7 محطات وبواقع محطة واحدة في كل من محافظتي بغداد والمثنى ومحطتين في محافظة كركوك و3 محطات في محافظة بابل".
حذرت وزارة البيئة العراقية من استمرار ارتفاع نسب التلوث البيئي في العاصمة بغداد في ظل غياب الحلول، مؤكدة أن التلوث يشمل الهواء والمياه والتربة، واعتبرت أن الحاجة باتت ملحة لإنشاء مدينة إدارية جديدة كخطوة للتخلص من التلوث البيئي.
فالغازات السامة التي تنبعث من محطات الكهرباء ومصفى الدورة وغيرها من المنشآت الصناعية التي أصبحت بعد التوسع السكاني داخل التصميم الأساسي للعاصمة، تمثل خطراً كبيراً على الصحة العامة وحياة الآلاف من البغداديين لكونها أصبحت على مقربة من مساكنهم ومطاعمهم وحياتهم اليومية.
وقال علي البلداوي، المختص بالشأن البيئي: "وضع التلوث البيئي في بغداد بلغ مستويات خطيرة، بسبب عدم توسيع العاصمة رسمياً، وعدم إنشاء مشاريع جديدة، والاعتماد على الخطط البيئية القديمة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "البناء العشوائي غير المخطط له رسمياً، يمثل واحداً من أبرز التحديات البيئية، ويحتاج إلى حلول".
وأكد البلداوي أن "إنشاء مدينة إدارية جديدة مشروع مهم، لكن غير متوقع في ظل عدم وجود الاهتمام الحكومي بالملف"، مشدداً على "أهمية وضع الخطط للحلول الآنية، وتنفيذها وإنهاء التجاوزات بأسرع وقت للتخفيف من حدة التلوث".
ووفقاً لمدير عام الدائرة الفنية لوزارة البيئة، عيسى الفياض، فإن "بغداد فيها تلوث بيئي متعدد، في الهواء والتربة والمياه"، مبيناً في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن "تلوث الهواء سببه الأعداد الكبيرة للسيارات والمعامل والمصانع الموجودة في بغداد، فضلاً عن الزحف السكاني على مصفاة الدورة النفطية"، وأكد "ضرورة أن يتم إنشاء مدينة إدارية جديدة لتقليل الضغط على مركز المدينة"، مبينا أن "تلوث التربة والتصحر أيضاَ جاء بسبب شح المياه والأمطار".
وأشار إلى أن "مشاريع الصرف الصحي لمدينة بغداد صممت لاستيعاب 3 ملايين شخص، أما الآن فقد بلغ سكان العاصمة قرابة 8 ملايين نسمة، مما ولد ضغطاً كبيراً على البنى التحتية لتصريف المياه".
وكانت وزارة التخطيط العراقية قدمت، في وقت سابق، دراسة تتضمن إقامة مدينة إدارية جديدة في مدينة بغداد ضمن محور (المدائن – بسماية)، جنوبي العاصمة، وبمساحة تتراوح بين 30-50 كيلومتراً مربعاً، على أن يتم نقل الوزارات والدوائر إليها لتخفيف الضغط عن العاصمة.
إلا أن المستشار الفني في وزارة التخطيط، عبد الرحمن القيسي، أكد أن المعالجة لا تكمن فقط بوضع الخطط، فالخطط والحلول واضحة إلا أنها تحتاج الى رصد مالي للتوجه نحوها، وهذا ما لم تحصل الوزارة على أي تعهدات لتحقيقه، وقال القيسي إن "ملف التلوث البيئي ونسبه العالية في العاصمة بلغ مستويات خطيرة، وإن هناك حلولاً آنية وأخرى دائمة".
وأشار القيسي إلى أن "المشكلة الحقيقية تكمن بعدم وجود تخصيصات مالية، إذ إن وزارة التخطيط قدمت دراسة لمشروع المدينة الإدارية وهي دراسة ذات أبعاد وجدوى لا يمكن إهمالها، وتضمنت الدراسة، خطورة الوضع البيئي وعدم وضع الخطط الكافية للمعالجات"، مبيناً أن "الدراسة تضمنت ضرورة وضع تخصيصات مالية كافية لإقامة المشروع، وأنه الحل الوحيد الدائم لمعالجة المشكلة".
ويقول الأستاذ في كلية العلوم قسم علوم الجو أحمد فتاح، إن مصفى ومحطة كهرباء الدورة وكذلك محطة جنوب بغداد جميعها أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي، وفي تلك الفترة كانت خارج الحدود الإدارية لمدينة بغداد وبعيدة عن مركز المدينة وتنسجم مع ضوابط الأثر البيئي في ذلك الوقت، مبيناً "أن زيادة عدد السكان وتوسع العاصمة وزيادة المنطقة الحضرية جعلها وسط المدينة، ما جعلها أحد مصادر تلوث الهواء في هذه المناطق وخاصة جنوب العاصمة".
ويضيف فتاح "أن استخدام (النفط الأسود) في هذه المنشآت يبعث نسباً عالية من الغازات السامة والضارة حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية مقارنة بوقود (الغاز السائل) والذي يعتبر من الوقود النظيف نسبياً".
وتعد محطة كهرباء الدورة الحرارية من أكثر المحطات تلوثاً، مقارنة بمصفى الدورة ومحطة جنوب بغداد، وفق فتاح الذي بين أن الانبعاثات من هذه المحطات يؤثر بشكل كبير على قطر دائرة تبلغ 5000 متر ضمن مركز المحطة، حيث يؤدي إلى جعل الغازات الملوثة في هذه المنطقة خارج الحدود المسموح بها من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والبيئة.
ويرى فتاح أن "أحد الحلول يكمن في إزالة هذه المحطات، لكن تحقيقها صعب لحاجتنا لها لإنتاج الطاقة الكهربائية، والحلول المطروحة هي تحسين نوعية الوقود المستخدم في هذه المحطات من خلال استخدام (الغاز السائل) ووضع منظومة تحسين الوقود، مثل منظومة إزالة الكبريت من الوقود الذي يدخل المصفى أو محطة الكهرباء قبل الاحتراق ما يقلل انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، ويجعله ضمن المحددات العالمية، فضلاً عن وضع فلاتر تصفية على المداخن، وهذا الأمر يعمل به في أغلب دول العالم".
ويتوسع ملف التلوث البيئي ليشمل أكثر من مليوني سيارة تتجول في العاصمة يومياً بمختلف السعات لتطرح عوادمها غازات سامة وبكميات هائلة، من دون وجود حزام أخضر يستطيع التقليل من أضرار هذه الغازات السامة.
وتدعو لجنة الصحة البرلمانية الحكومة إلى إجراءات جدية للحد من التلوث الذي تعيشه العاصمة تتضمن أبرزها نقل مصفى الدورة إلى خارج العاصمة. وتقول عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي سهام موسى، إن "المحافظة على البيئة ومراقبة المصانع التي تخالف الشروط الصحية والبيئية هي من اختصاص وزارة البيئة التي دمجت بوزارة الصحة".
وتدعو موسى إلى إعادة مديرية البيئة في وزارة الصحة إلى هيكلها الإداري كوزارة كما كانت في السابق بهدف الحصول على الدعم الحكومي لكونها المسؤولة عن مراقبة كثير من الوزارات التي تخلف ملوثات مثل "وزارة الصناعة والكهرباء والبلديات والنفط وغيرها".
وتشدد موسى "على ضرورة قيام وزارة النفط بنقل مصفى الدورة إلى خارج حدود العاصمة للحفاظ على البيئة لكونها مصدرا للتلوث"، متهمة جميع الوزارات في العراق بخرق التعليمات والشروط البيئة الموضوعة من قبل الجهات الصحية والبيئية.
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr