أحمد عباس: قُتِل 1645 صحفياً وإعلامياً بين العامين 2000 و2021، بسبب عملهم، وتعرض آلاف آخرون إلى المضايقة أو الاعتداء أو الاحتجاز بتهم زائفة من دون احترام لحقوقهم القانونية في تلك الفترة، ومن الواضح أن الصحفيين يحتاجون إلى حماية أنفسهم من أجل حماية قصصهم.
وتُعد كتابة التقارير البيئية على وجه الخصوص الآن واحدة من أخطر المجالات التي يمكن تغطيتها، كونهم يصبحون بمواجهة التهديدات المادية والرقمية وأيضا الكوارث الطبيعية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أعلن في مايو الماضي، أن الصحافيين الذين يغطون القضايا البيئية أصبحوا مستهدفين بالعنف بشكل متزايد في وقت يواجه فيه العالم حالة طوارئ بيئية غير مسبوقة.
وأضاف جوتيريش، في رسالة بالفيديو خلال فعالية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في سانتياجو بتشيلي، أن "حرية الصحافة تحت الحصار، والصحافة البيئية مهنة خطيرة على نحو متزايد".
وأشار إلى أن "عشرات الصحافيين لقوا حتفهم في السنوات الأخيرة أثناء تغطيتهم موضوعات مثل التعدين بشكل غير قانوني، وقطع الأشجار، والصيد غير المشروع".
وأظهر تقرير من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، زيادة في أعمال العنف من جانب الجهات الحكومية والخاصة ضد المراسلين الذين يغطون شؤون البيئة في جميع أنحاء العالم.
ومن بين 44 صحافياً قتلوا في 15 دولة أثناء تغطيتهم للقضايا البيئية في الفترة من 2009 إلى 2023، أفضت 5 قضايا فقط إلى إدانات، وفقاً لتقرير "اليونسكو".
في السياق، قال الصحفي علي النواب إن "ندرة التخصص في الصحافة البيئية مشكلة تواجه وسائل الاعلام العالمية، ولكنها تبدو أكبر في العراق والبلدان العربية، لغياب التخصص وقلة الاموال والتركيز على القضايا السياسية والامنية والاجتماعية، برغم ان المشاكل البيئية تمثل خطرا لا يقل اهمية عن باقي التخصصات".
وأضاف النواب أن "الاهتمام الرسمي والشعبي يبدو محدودا بمشاكل بيئية اصبحت حديث الساعة حول العالم، فقضايا النفايات ومخلفات الحروب وتلوث المياه والاشعاعات الكيمياوية ومشكلة طبقة الاوزون وتلوث الانهر والضوضاء تبدو غائبة تماما عن اهتمام الجهات الحكومية بينما لا تعطي وسائل الاعلام المحلية مساحة مناسبة لهذه القضايا برغم ان العراق أحد البلدان التي تواجه تحديات كبيرة على مستوى البيئة".
وأوضح أنه "وعلى الرغم من أن الاخبار والتقارير المتعلقة بالبيئة ومشاكلها تشكل ما نسبته نحو 1% من محتوى الاخبار والتقارير المنشورة في وسائل الاعلام المحلية، في مؤشر الى عدم الاهتمام الكافي بهذا القطاع المتخصص شأنه شان باقي القطاعات المتخصصة وهي مشكلة تعود الى غياب التخصص في الاعلام العراقي، لكن عدد الصحفيين المهتمين بقضايا البيئة الذين قتلوا كبير مقارنة بالنسبة للمواد الصحفية المتعلقة بالبيئة".
من جانبه، أكد الخبير البيئي علي الثلجي، أن "الصحافة البيئية نوع صحافي غائب تماما عن صحافتنا، وهذا ليس بالأمر السهل كما يتصور اصحاب المهنة، بل يحتاج الى مؤهلات كثيرة قد تتجاوز ما يتطلبه الصحافي في المجال السياسي والامني، اذ إن تغطية الظواهر الطبيعية تحتاج في كثير من الاحيان الى معرفة اكاديمية وخبرات تحريرية خاصة، خصوصا أن هذا التخصص في الإعلام يشكل خطرا على الصحفي".
في غضون ذلك، أوضح الصحافي الخبير في شؤون البيئة عادل فاخر أن "الصحافة البيئية تحتاج الى التخصص والمثابرة لانه غالبا ما يتم تناول هذا النوع من الصحافة بطريقة الاستقصاء بعيدا عن الصحافة التقليدية والاعتماد على البيانات الحكومية".
وفيما تحصل الصحافة البيئية على اهتمام واسع في جميع انحاء العالم لكنها منحسرة في العراق، كما يقول فاخر بسبب المشهد السياسي والامني الطاغي على جميع الاحداث والاهتمامات، وهو انعكاس لضعف تخصيصات الدولة المالية للبحث العملي والصحة والبيئة حيث لم تتجاوز النسبة اكثر من 2% من معدل موازنات السنوات الماضية، بينما بلغت تخصيصات الامن والدفاع 35%.
ويقول فاخر إنه "اذا كانت السيارات المفخخة وعمليات القتل تحصد الاف من المواطنين فان هناك مشاكل بيئية في البلاد تقتل بنفس هذه الاعداد لأسباب متعلقة بالبيئة والصحة والرياضة والاغذية، اذ إن امراض جديدة بدأت تنتشر بين العراقيين من دون اكتراث حكومي او اهتمام اعلامي".
وبسبب غياب الصحافة البيئية في العراق وعدم تقديرها في الوسط الاعلامي، فان فاخر يضطر الى نشر التحقيقات المتعلقة بالبيئة في صحف ومواقع عربية واجنبية لضمان نشرها والاهتمام بها، وغالبا ما يتلقى اشادة دولية لكونه من القلة التي تحترف هذا النوع الصحافي في العراق".
وتتناول الصحافة البيئية محاور عديدة ابرزها الكتابة المتعلقة بالطبيعة والكتابة العلمية والتفسير البيئي والدفاع عن البيئة، اما مواضيعها الفرعية فهي كثيرة ومتشعبة بينها التغير المناخي وتلوث الهواء وإدارة مخلفات الحيوانات والتنوع الحيوي والامراض والصحة والزراعة والاشعاعات النووية والتلوث والمياه والطاقة المتجددة والكوارث الطبيعية والعلمية ومشكلة طبقة الاوزون والسكان والحياة البرية وغيرها الكثير.
ويلاحظ من عناوين هذه المواضيع انها تحتاج الى خبرات اكاديمية علمية، ومن الصعوبة على صحافي إن يقوم بعمل تقرير على التغير المناخي من دون إن يكون له معرفة اكاديمية بالظواهر المناخية وتغيراتها، كما إن طريقة تحرير كتابة المواضيع تحتاج الى خبرات خاصة.
ويؤكد الصحافي منتصر الطائي إن "ضعف الصحافة البيئية المتخصصة في البلاد تساهم بشكل غير مباشر على تزايد المخاطر البيئية بشكل عام، وعلى الصحفي الذي يعمل بهذا المجال بشكل خاص"، مضيفا إنه "على الرغم من عشرات الظواهر البيئية والنفسية والطبيعية التي تجتاح البلاد لم نجد اعلام حيوي قادر على تغطيتها وايصالها الى المتلقي بطريقة مبسطة وتعلمه مواجهة المخاطر الناجمة عنها".
ويضيف الطائي إن "الصحافي العراقي يشعر بان التغطية الصحافية غير الأمنية والسياسية معيبة، ويرى بان التخصص في السياسية والامن هي من تجلب له الشهرة الواسعة، وهذه مشكلة كبيرة مرتبطة بضعف الصحافة المتخصصة في بلادنا بشكل عام، وغالبا ما تهتم الصحف بالأحداث السياسية والامنية وتكرس لها المراسلون والمحررون بينما يتم اللجوء الى الانترنت لملأ باقي الصفحات المتخصصة الداخلية".
وتحاول بعض المؤسسات الحكومية المحلية والدولية لفت انتباه الصحافي المحلي الى الاهتمام بالصحافة البيئية، وسبق إن اقامت وزارة البيئة وامانة بغداد ورش تدريبية عدة للصحافيين الشباب العاملين في المؤسسات الاعلامية بشان الصحافة البيئية المتخصصة عبر مدرين دوليين ونفس الشيء نفذته منظمة "يونسيف"، ولكن هذه الورش تبقى محدودة ودون مستوى التأثير.
ومن الجدير بالذكر فانه لا توجد صحيفة او مجلة متخصصة بالبيئة من بين (59) صحيفة و(18) مجلة صادرة في البلاد، باستثناء مجلة واحد تابعة لوزارة البيئة وهي "البيئة والحياة"، ولا تلقى توزيعا واهتمام من قبل وسائل الاعلام على الرغم من اهمية المواضيع المنشورة فيها اضافة الى موقع الوزارة الذي يتضمن بحوث ودراسات بيئية متخصصة بالعراق.
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr