منصات التواصل الاجتماعي

خضير الزيدي: الكتابة مهنة " البطران".. وتشرين اقتلعت الجميع لولا الخذلان

حوار ايجاز

  • 17-03-2021, 15:51
  • رأي
  • 1 062 مشاهدة
+A -A

يهيم في بغداد حبا، ويلازمه الحنين الى الناصرية، ويأسف لمآل المشهد الثقافي في العراق، كما يتعبر الكتابة "مهنة البطران" لكنها الملاذ الآمن لخضير فالح الزيدي، التي يلجأ اليها كلما اشتدت أزماته الداخلية.


وفي حوار لا تنقصه الجرأة مع "ايجاز"، يتحدث الزيدي، عن تجربته في الشعر والكتابة، ويرى ان الأدب العالمي هو النافذة التي يطل منها على السحر والخيال والحكايات، ويؤمن ان الكتابة هي مفتاح اكتشاف الجمال، ويعود الى الحديث عن ابجدياته في الكتابة حين اكتشفه مدرس اللغة العربية في درس التعبير.


يتلاعب بالكلمات حينما يربط ما هو سائد و شعبي بأسلوب أدبي فني حيث تكون الأثارة هي التي تطغى على جسد الرواية التي لا تخلو من الكوميديا السوداء و السخرية اللاذعة. ويدفعنا من ناحية الشكل و الأسلوب إلى الأعتراف بأن الكتابة الجيدة ليست الكتابة السهلة، كونها تحتاج جهدًا و متابعة فكرية و حسية يقظة، على هذهِ العناصر يحقق الزيدي معظم حكاياته. 



•كيف تشكلت لديك الاهتمامات الأدبية؟

تشكلت بفعل الإنصات للطبيعة والآخرين على حد سواء. أما الوعي فقد تشكل تدريجيا من خلال الاحتكاك بقوى اليسار في مدينة الناصرية التي كنت اسكن فيها. عرفت مسناة النهر واستمعت لغناء الصيادين واستمعت لمواويل الخمارين على ضفة النهر وهم ينزفون الحزن كآهات وياويلي وأشواق وغربة وعشق مبتور النهايات. كنت اصغي أكثر مما أتكلم، حتى جاءت اللحظة التي اكتشفني بها مدرس اللغة العربية في درس الأنشاء.


•ما هي طقوسكم في الكتابة؟

 لا تتصور أن كاتبا ما سيوفق بين الحياة والأدب مطلقا. الكتابة تبعدني كثيرا عن متطلبات العائلة وتجعلني خائنا مهذبا أمام تلبية ما يحتاجه بيت الكاتب.  المصادر أصبحت متاحة وسهلة التناول من خلال كوكل. طقوسي بالكتابة عادية جدا. انقطع عن سماع أي صوت حتى الموسيقى أثناء الكتابة. أنصت لصوتي الداخلي، أنصت لأصوات الشخصيات التي استدعيها للكتابة والتجسيد، ربما أكون عصبيا ومنفعلا في الكتابة لأني على استعداد تام لحذف فصول من اجل كتابة مقطع مؤثر بي قبل أن يؤثر بالقارئ.


•كيف ترى تأثير الجوائز على الكتابة، ولِمَ تستقطب الرّواية كل هذا الاهتمام؟

 الجوائز لعنة ولكنها لعنة محببة لنفس الكاتب. لأنها تلفت الانتباه إلى ما يكتبه الكاتب الحقيقي. الجوائز في معظمها مسيسة وفيها أجندات دول تشتغل في السر على توزيع الجوائز على أسماء بعينها. جائزة الرواية العربية البوكر مثلا، هي جائزة تلعب فيها السياسة بالسر، من القائمة الطويلة التي يراد لها أن تشمل مساحة واسعة من الدول الناطقة بالعربية وتنتهي إلى اختيار اسم كاتب بعينه. تخضع لجان التحكيم إلى الموافقة على رأي القائمين على الجائزة. هي بالنهاية جوائز مشبوهة وهو مخصوصة لدور النشر كي تتصارع فيما بينها واللهاث حول الفوز وتحقيق المبيعات من خلال ماكنة إعلامية ينقاد إليها القراء من دون وعي في اغلب الأحيان.


•كيف ترى وتقيم المشهد الثقافي في العراق حاليًا؟

المشهد الثقافي مضطرب في مشهديته. القراء للأسف يتأثرون بما ينشره آخرون حول كتاب ما. القارئ الواعي هو من يكتشف كاتبه من دون تأثر بما يقوله القراء المجندين، المشهد الثقافي يتأثر بظلال المشهد السياسي والأمني الملتبس، الكاتب محاصر في بيته. فقدنا خاصية المقهى الثقافي، نعيش في ظلال محنة كبرى؛ تنتابني أحيانا لوعة اللا جدوى من الكتابة. ولكني أعود للكتابة كلما تشتد أزماتي الداخلية. 


•ماذا عن " أطلس عزران البغدادي" هناك من يرى تناقضًا ما بين العنوان والغلاف!

أين هو التناقض؟ عزران البغدادي شخصية متخيلة و وهمية ولكن ظلها ثقيلا على ارض الواقع. أما الغلاف فهو من اختصاص المصمم ودار النشر وتأتي موافقتي عليه كونه معبرا بصورة غير مباشرة عن محتوى الأحداث في الرواية. من السخف والبلاهة في تصاميم أغلفة الروايات أن يتضمن الغلاف رسمة تحاكي العنوان. أغلفة الروايات العالمية تخلصت من أعباء الرسم والتصوير من الأغلفة فهي تميل إلى الخطوط في العنونة فقط.


•"أطلس عرزان البغدادي" تتضمن وثائق وشخصيات مثلت مختلف الديانات، هل تصنفها تأريخية؟

 رواية أطلس عزران البغدادي كتبتها في عام 2013 وصدرت بعد سنتين. كانت تتحدث عن التعايش المفقود في المجتمع البغدادي. حتى علاقة الحب بين نورا وسامر وهما من طائفتين مختلفتين كانت علاقة مرسومة بدقة كانت محاكاة لتمزق النسيج المجتمعي آنذاك. فيها شخصية ناجي قطانو الرجل الأرمني وهو يجمع إيجارات المحال التابعة لليهود في أسواق الشورجة، فيها شخصية طه ترتيب الرجل البهائي وفيها اليهودي المخذول والخائف وفيها المسلم المبتلى وكلهم يخضعون إلى سطوة وأجرام عزران البغدادي.


•ما رأيك بثورة تشرين التي قادها جيل الألفية؟

تشرين جرح الوجدان كما أسميتها الذي يبقى وساما عالقا في ضمائر أحرار هذا البلد. كانت لي الريادة في الكتابة بكتاب قصصي عن تشرين تحت عنوان" عزيزي المندس". أنا بالنسبة لي اعتبر نفسي مساندا لانتفاضة تشرين بقوة وداعما للشباب. كانت صرخة مرعبة لذوي السلطة المتحكمة وكادت تقتلع الجميع لولا بعض الخذلان الذي صاحبها وتمزق الرأي الجمعي الموحد.


•لمن يقرأ خضير فليح الزيدي اليوم؟

طبيعتي أني اقرأ بأكثر من كتاب في الوقت ذاته. اليوم قررت أن أعيد قراءة رواية "دون كيشوت" لسرفانتس لما لها تأثير كبير على كل كاتب روائي. كذلك اقرأ كتابا تراثيا عن أدب الرحلات. تستهويني الكتابة في أدب الرحلات فهي سفرة مجانية ومريحة لتخوم العالم.


•هناك قراصنة للإنتاج الأدبي ما رأيك بهذه المقولة؟

هؤلاء نتاج عصر شرعنة السرقات ينتهون إلى زوال. لا ينتج الأدب الحقيقي بسهولة. فكيف يأتي من يسرق تلك الجهود ويبتغي الصعود إلى نجومية زائلة. نعم اكتشفت سرقات كبرى لأنصاف الأدباء من فيلم أجنبي أو مسلسل أو رواية عالمية ولكن اكتشاف سرقاتهم تحتاج إلى جهود مؤسسية ونقابات وقضاء يحمي الإنتاج الفكري والأدبي. لأنه لا توجد قوانين تحمي الملكية الفكرية وإن وجدت فهي ضعيفة وبائسة.


•كيف يمكن أن يتوفّر للكاتب التوازن بين العزلة المُلهمة، وبين التفاعل مع الحياة من جهة ومع الجمهور من جهة أخرى من أجل الكتابة؟

العزلة الأليفة وليس وحش العزلة ممن يخيم على حياة الكاتب اليوم. أي بمعنى آخر العزلة المنتجة. قدر الكاتب أن يتعايش مع كائنات العزلة المتخيلة. لقد شذبت العلاقات العامة وتحولت الى كائن خيالي يلتقي من البشرية من خلال الكتابة عنهم ولهم. تخلصت من الكتابة النرجسية عن الذات، حتى غدوت كاتبا مكرسا لمعاناة البشر المحيطين بي. احترم جمهوري من القراء واستمع بإنصات جم لملاحظاتهم عن أدبي، فهم المرآة الوحيدة لي، الكتابة من دون قيمة من غير ارض والأرض هم جمهور القراء.


•كيف ترى الكتابة، بوح ام هروب من الواقع، أو مع الآخر؟

بالنسبة لي أرى الكتابة مهنة البطران. ولأني لا امتلك غيرها فأني مصر على ان أكون بطرانا. المعاناة كبيرة في عدم الاعتراف تبدأ من الأولاد والأقارب وتنتهي بالناس و هم يفكرون بطريقة مختلفة كونها مهنة لا تأتي بالرزق والثروة، وهذا يحتاج إلى معادل موضوعي ضد فكرة نكران مهنة الكتابة والإنتاج الأدبي.


من أبرار زروك