منصات التواصل الاجتماعي

حظر كورونا يساهم في رفع معدلات العنف الأسري .. والأرقام إلى ازدياد

للرجال نصيب من "التعنيف"

  • 17-06-2021, 21:12
  • العراق
  • 597 مشاهدة
+A -A

لم يحسب الحاج (أبو رافع) نهاية مماثلة لكبره، ولم يكن بحسبانه أن يعنف على يد زوجته وهو في هذا العمر، ولعل كاميرا الموبايل التي صورت الواقعة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء لعب أحد الاطفال في المنزل، كانت كفيلة بفتح الباب واسعاً أمام مشكلة تفاقمت في ظل الحظر المنزلي المفروض على الناس حماية لهم من كوفيد-١٩.

يعيش الحاج (ابو رافع) اليوم مع أبنائه في الطارمية شمالي بغداد، بعيداً عن زوجته الثانية، "لاأستطيع السمع كثيراً من شدة ضربها لي على راسي ورقبتي"، بهذه العبارة ابتدأ حديثه بغصة رغم أن الحادثة قد مر عليها شهر وأكثر. ويكمل مشيراً لنا إلى ساقيه "كانت تستخدم العصا وأحيانا تركلني على ساقي، خصوصاً حين أتبول على نفسي بسبب مرضي، كنت أخاف من أذيتها أكثر فألزم الصمت، فهي كانت تهددني دائما مستغلة عدم قدرة ابنائي على زيارتي  بسبب الحظر المفروض الذي خفف ترددهم علي واقتصر تفقدهم لحالي عبر الهاتف".

(سلام النعيمي) وهو أحد أبناء الحاج كان متأسفاً ومذهولاً لما آل إليه الحال ويقول في حديثه لـ"إيجاز"، "المؤسف أن الحادث ما كان ليعرف لولا ذاك الفيديو المسجل بالصدفة، والمؤلم أن زياراتنا له كانت قد باتت محددوة بفعل شل الحركة وفرض الحظر بعد تفشي مرض كورونا، حين شاهدنا الفيديو سارعنا لإحضار الوالد لبيتنا ورفعنا الأمر عشائرياً للتحكيم".

الزوجة المعنية بالشكوى رفضت الحديث وتبرير موقفها، ورغم وضوح الفيديو المتداول لفعلها، إلا أن أسرتها أدّعت بأن المقطع المصور مفبرك، ورفضوا استقبال أهل الزوج والاستماع اليهم.

وتسجل الاحصائيات الأسرية تصاعد العنف داخل المجتمع العراقي وسيطرة مشاعر اليأس والصعوبات الاقتصادية بعد تفشي مرض كورونا فايروس وحالة الحجر الصحي، يضاف إليها صغر أحجام المنازل بالنسبة للعوائل الفقيرة وتكدّس أفراد العائلة في أماكن ضيقة.

ويقول مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية لـ"إيجاز"،  أن "حالات العنف الأسري قد زادت 20% خلال الحظر بسبب إجراءات التقييد التي اعتُمدت للتصدي لكوفيد-19، وفي الوقت نفسه قللت من قدرة الضحايا على الإبلاغ عن الإساءة والبحث عن المأوى الآمن للحصول على الدعم والوصول للعدالة".


الحاج "أبو رافع" كان يبكي بحرقة وهو صامت في كل مرة تمكن فيها أبناؤه من زيارته. واليوم أخذ قراره بتطليق زوجته الثانية التي آذته، كما تجرأ -وهو وسط أبنائه- بالشكوى عليها أمام الشرطة بل ورفع دعوى قضائية لتطليقها، ويعزو البعض قيامه بذلك إلى التعاطف الكبير الذي ناله الرجل بعد انتشار مقطع الفيديو الذي يصور الواقعة، فتشجع لخطوة كان يحسب لها حسابات الزوجة والمجتمع.

ويشرح العميد غالب العطية اسباب تزايد العنف الاسري في العراق بالقول، ان "بيئة العراق العشائرية المحافظة تُعَدّ المسبّب الأول للعنف، وتلجأ الشرطة العراقية عادة إلى أخذ تعهدات على المتسبب بالضرر، وتكتفي بإجراء مصالحة بين الطرفين في بعض الأحيان، وفي حال كان الطرف المتسبب الأب، فإنها تلزم الأطفال بالعودة إلى المنزل. وتختص أقسام الشرطة المجتمعية باستقبال الرجال والنساء والأطفال المعنفين على مدار الساعة".

وفي شهر آب 2020 أرسلت الحكومة مشروع قانون "العنف الأسري" إلى البرلمان لمناقشته وتمريره ليصبح نافذاً، وذلك من بعد مناشدات من منظمات محلية ودولية، ومن أربع منظمات تابعة للأمم المتحدة (صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومفوضية حقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة) ، عبرت فيها عن قلقها من ارتفاع وتيرة العنف الأسري بالعراق في ظل جائحة كورونا، ودعت لإقرار القانون عقب ازدياد حوادث العنف الأسري أثناء الحجر المنزلي للحد من كورونا.

ويعلق المحامي والخبير القانوني أركان البدري على مشروع القانون، ان "العنف الأسري حسب ما ورد في نص المادة الأولى من مسودة قانون مناهضة العنف الأسري لسنة 2019هو كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بأي منهما يرتكب داخل الأسرة ويترتب عليه ضرر مادي أو معنوي، ويتضمن مشروع القانون – الذي لم يتم إقراره بعد- أحكاماً جزائية أشار إليها الفصل السادس من القانون في نص المادة /21/ وهي الغرامة والحبس لمن يستخدم العنف ضد من هم تحت ولايته وكذلك تم الإشارة في الفصل الثالث إلى تشكيل مديرية حماية الأسرة مهمتها البحث والتحقيق في شكاوى العنف الأسري. ولعل مايميز هذا المشروع هو المادة الثامنة التي أجازت تحريك الشكوى لكل من علم بوقوعها".

ويكمل البدري قائلاً بأنه "للأسف لا توجد أرقام دقيقة، فالحالات المسجلة والمعلن عنها هي في الواقع أقل من الحالات الحقيقية بكثير بفعل الموروث الثقافي الذي يعطي الرجل السلطة المطلقة للتحكم بمقدّرات الأسرة وحياة أفرادها، بل قد نجد هناك من يبرر العنف الذي غالباً ما يكون محميّاً بحجة الخصوصية، فلا يتم الإبلاغ عنه".

 وسجلت المحاكم العراقية آلالاف من قضايا العنف الأسري واحتلت بغداد المرتبة الأولى من حيث القضايا في سياق جائحة كورونا.

ويعاني العراق ركوداً اقتصادياً حاداً في ظل أزمة كورونا، فكثيرون خسروا وظائفهم، وباتوا حبيسي المنازل  في ظل الحظر المفروض، مما أثر اجتماعياً ونفسياً على نفوس الأسر العراقية، فضلاً عن ضعف الوعي الأسري والاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي، فارتفعت معدلات العنف وتنوعت أساليبها وضحاياها.

عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق علي البياتي، قال إن "المفوضية سجلت مؤشرات عالية بما يخص حالات العنف الأسري في البلاد خلال جائحة كورونا، لافتاً إلى أنه تم تسجيل/١٠٩١١/ حالة عنف في عام ٢٠٢٠ تتوزع كالتالي: /٦١٢٣/ حالة عنف من الرجال ضد النساء، وبالمقابل /٩٦٦/ حالة عنف من النساء ضد الرجال، و/١٨٠/ حالة عنف من الآباء ضد الأبناء، و/٩٠٦/ خالة عنف من الأبناء على آبائهم، /٥٩٠/ حالة عنف بين الأخوة، إضافة إلى /٧٨٠/ حالة متفرقة عنف مختلفة.


ولا يزال العراق يفرض إجراءات التباعد الاجتماعي، وعلى رأسها سريان حظر تجوال جزئي يبدأ من التاسعة ليلاً وينتهي في الخامسة صباحاً، وتعمل الحكومة العراقية جاهدة على ضبط إيقاع الحياة اليومية في ظل هذا الحظر بعد أن كانت عدة قضايا للعنف الأسري، قد أثارت الرأي العام في البلاد خلال فترة الحجر الصحي، أبرزها اغتصاب امرأة معاقة عقلياً في محافظة كركوك، وكذلك وفاة (ملاك الزبيدي) التي أضرمت النار بجسدها في محافظة النجف، جرّاء تعرضها لعنف أسري من قبل زوجها وعائلته.

"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".

من ليندا المرقبي