منصات التواصل الاجتماعي

لماذا يهاجر كُل هؤلاء الشّباب من إقليم كردستان؟

صراع سياسي سلمي

  • 6-12-2021, 15:30
  • العراق
  • 355 مشاهدة
+A -A

لا تكاد تمر أزمة واحدة متعلقة بالهجرة، إلا ويكون بين المهاجرين مواطنون من إقليم كردستان العراق. فعلى الحدود البيلاروسية البولندية، كان ثمة المئات منهم. أغلبية الذين كانوا داخل العبّارة التي غرقت في بحر المانش كانوا منهم. حوادث السفن على الشواطئ اليونانية والإيطالية غالباً ما تضم أعداداً من مهاجري إقليم كردستان، الأمر الذي يفتح سؤالاً كبيراً حول الأسباب التي تدفع هؤلاء المواطنين الأكراد للفرار من بلادهم. 
 
يحدث ذلك بالرغم من أن إقليم كردستان لا يشهد أي حالة من الاضطهاد السياسي، إذ بين جميع المهاجرين، ليس من شخص واحد فرّ لسبب يتعلق بحرية رأيه أو لموقفه من الحياة العامة في الإقليم، كما عبّر رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أكثر من مرة.
 
ففي الإقليم، ثمة حياة سياسية معقولة، أحزاب سياسية متنوعة، برلمان نشط للغاية، وصراع سياسي سلمي على السلطة، أساسه الانتخابات النزيهة، وإن كانت جميع تلك الممارسات ليست بالحد المثالي. 
 
تُشكل حالة كاكا مراد هملان مثالاً نموذجياً للأسباب التي تدفع الشبان الأكراد للهجرة. فهملان الذي لا يزال على الحدود البيلاروسية - البولندية، يشرح حالته: "كانت عائلتي تقيم في منطقة دوسكان، أقصى شمال الإقليم، ونعمل ستة إخوة إلى جانب أبي في رعاية الماشية. قبل سنوات قليلة تراجعت أسعار الألبان والأجبان المحلية كثيراً، بسبب غرق السوق المحلية بالمستورد من تركيا وإيران. حتى أن قطيعاً مؤلفاً من مئتي رأس لم يعد كافياً، فهاجرنا على دفعات إلى المدينة". 
 
لأن كاكا مراد وإخوته لم يكونوا يملكون مهارات تعليمية ومهنية ذات قيمة، عملوا عتالين وسائقي مواصلات عامة. الأسرة التي كانت مؤلفة من تسعة أشخاص صارت تتألف من أكثر من أربعين شخصاً خلال أقل من عشر سنوات. ومع تراجع عملية التنمية اعتباراً من عام 2014، قرر كاكا مع الكثير من إخوته العودة إلى القرية والعمل في الزراعة والرعي من جديد. لكن قريتهم عام 2020 صارت محتلة من الجيش التركي، الذي كان يخوض حرباً مستعرة مع "حزب العمال الكردستاني" هناك. 
 
عوامل الطبيعة
انهيار البيئة الزراعية، لأسباب مناخية واقتصادية على حد سواء، هو الدافع الرئيسي لهجرة الآلاف من شبان الإقليم، كما يشرح الباحث شفان رسول: "كان إقليم كردستان تاريخياً مركزاً زراعياً ورعوياً هائلاً، يعتمد سكانه على مواردهم الزراعية الخصبة اعتماداً مطلقاً. لكن منذ عام 2003، وبعدما صار العراق كله يعتمد سياسات اقتصادية ليبرالية للغاية، يستورد بكامل خزينته العامة مواد استهلاكية من الجارتين تركيا وإيران، ولا يبالي بأي توجهات داعمة للقطاع الزراعي والرعوي. انهار هذا القطاع تماماً، وخرج مئات الآلاف من السكان، بالذات من النساء، من سوق العمل تماماً، وصاروا من دون أي شعور بالأمان". 
 
يضيف رسول: "صحيح أن الاقتصاد الريعي في الإقليم تمكن من استيعاب نسبة ما من أعضاء البنية الاجتماعية الزراعية تلك، لكن الغالب الأعم منهم فقد مكانته الاقتصادية وموقعه الاجتماعي الذي كان. هؤلاء الذين لم يكونوا قادرين على اكتساب مهارات عمل صناعية أو سياحية سريعاً، وهو بالضبط ما يدفع الآلاف منهم لفقدان أي رؤية ومسار لمستقبلهم الاجتماعي، وتالياً التفكير والتخطيط للهجرة بأي ثمن". 
 
أيّ معالجة حكومية؟
مصدر مسؤول من حكومة إقليم كردستان العراق كشف عن حدوث مناقشات معمقة بين أعضاء الحكومة طوال الأسابيع الماضية، لدراسة الأسباب الموضوعية التي تدفع هذه الأعداد من مواطني الإقليم الى الهجرة، مؤكداً أن النتيجة الموضوعية التي تم التوصل اليها تؤكد أن مزيداً من الخطوات الاقتصادية، المتعلقة بالاستمرار بدفع الرواتب الشهرية لموظفي القطاعين الخاص والعام، إلى جانب خطط تنموية في قطاعي التعليم والصحة، إنما ستقلل من نسبة الراغبين في الهجرة إلى حد كبير للغاية. 
 
أستاذ العلوم السياسية الدكتور نضال سيتي شرح: الدور الذي يلعبه عدم الاستقرار السياسي والعسكري في خيارات أبناء إقليم كردستان العراق: "من حيث الظاهر، فإن الصراع البيني بين إقليم كردستان العراق والسلطة المركزية توقف منذ عام 2003. لكن فعلياً السلطة المركزية تفعل كل شيء للاستمرار في الضغط بكل الأشكال على الأحوال العامة في إقليم كردستان. فهي إما تستقطع حصة الإقليم من الموارد العامة، أو تفرض حصاراً جوياً وتجارياً على الإقليم، أو ترسل الجيوش والتنظيمات العسكرية إلى تخوم الإقليم لخلق بلبلة عسكرية".
 
وفوق ذلك كله، يضيف سيتي، "فإن السلطة المركزية لا تحل أياً من القضايا الجوهرية العالقة بين الإقليم والسلطة المركزية، مثل المادة 140 من الدستور، المتعلقة بالمناطق المتصارع عليها. فجميع أشكال الحياة اليومية في الإقليم متعلقة وخاضعة إلى حد بعيد للسلطة المركزية، التي تعكرها إلى أكبر قدر ممكن، وهو ما يخلق حالة كبرى من عدم اليقين والثقة بالحياة العامة في الإقليم ومستقبلها، فيفضل شبابه الهجرة".

من "النهار العربي"