نور كريم - بغداد
منذ ظهور أول حالة إصابة بكورونا في العراق وتحديدا بأواخر فبراير/ شباط 2020، واستمرار حالات الإصابة خلال الصيف، كافحت الحكومة العراقية للتعامل مع النمو الاقتصادي الراكد، والاضطرابات السياسية، وانقسام الرأي العام، وعلى الرغم من المحاولات المبكرة لإبطاء انتشار الفيروس، إلا أنه انتشر بكثافة في عموم البلاد، واصبح العراق من اوائل الدول بسجل الاصابات والوفيات.
وخلال تفشي كورونا في البلاد، كان التعاون الشعبي مع الحكومة محدودا، ففي حين تعاطى الكثير من سكان مراكز المدن مع تفشى الوباء بجدية، والتزموا بإجراءات الوقاية والسلامة التي أقرتها وزارة الصحة، إلا أن تلك الفئة هي الأقل عددا بين السكان، أما الفئة الأكثر شيوعا هي تلك الموجودة في معظم المدن والمناطق، والتي تنكر وجود الوباء، أو تؤمن بنظرية المؤامرة أو تسخر من الإجراءات الوقائية، أو تخرج بتأويلات ومبررات غيبية تعزز إنكارها.
وظهرت جائحة كورونا والعراق يعيش أخطر ازمه سياسية منذ نيسان 2003 حيث الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات الكبرى والتصادمات مع عناصر مكافحة الشغب وسقوط عشرات الضحايا، وما رافق هذه التطورات من غضب شعبي وتوتر أمني وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية في قلب العاصمة بغداد.
لهذا دق خطر الجائحة أبواب العراق في ظل ظروف سياسية معقدة، ضاعف تعقيدها انهيار أسعار البترول وانكشاف عورة الاقتصاد العراقي الذي يعتمد النفط كمصدر أساس لتمويل كل عمليات الإنفاق التي تخص الدولة العراقية، التي بدت أكثر ضعفا من أي وقت سابق نتيجة تدهور الاقتصاد، وتراجع المستوى المعيشي.
وانعكست القطيعة بين الشارع والحكومة في العراق على الإجراءات الحكومية الهادفة الى الحد من انتشار الفيروس، فلم يكن المواطن العراقي متفاعل مع تعليمات وزارة الصحة، والأسباب كثيرة أهمها أن الجزء الأكبر من الشعب العراقي لا يملك الثقة الكاملة بمؤسسات الدولة، والأدهى من ذلك أن هناك من شكك بوجود الفيروس بالأساس، أو اتهم الحكومة بالمبالغة في الإجراءات، لغرض فرض حظر التجوال وإحكام السيطرة على الشارع العراقي المنفلت أصلا.
وقال الدكتور سيف البدر المتحدث باسم وزارة الصحة، إن "الزحامات في شوارع البلاد بشكل عام ساهمت بتفشي فيروس كورونا في عموم البلاد".
وأضاف، أن "الالتزام في جميع المناطق لم يكن بالشكل المطلوب، ولو طبق المواطنون اجراءات الحظر بشكل سليم لما تفشى الفيروس في عموم البلاد".
وتابع البدر أن "العراق لم يصل الى نسبة عالية من التطعيم، وأن هناك من اكتفى بتلقي جرعة واحدة من اللقاح من دون أن يكمل بقية الجرعات"، موجهاً "الدعوة للمواطنين بضرورة الإسراع بأخذ اللقاح".
في غضون ذلك، قال مدير الصحة العامة في الوزارة رياض عبد الأمير الحلفي، إن "جائحة كورونا لم تنتهِ في العراق وهنالك احتمال من موجات مقبلة لفيروس كورونا".
وشدد الحلفي على ضرورة "عدم ترك جميع الإجراءات الوقائية من قبل المواطنين والالتزام بها".
وطالب عضو مجلس النواب السابق سلام الشمري، للإسراع ببدء اتخاذ خطوات العزل والحظر المناطقي مع الأخذ بنظر الاعتبار فرض الحظر الشامل إذا تفاقم الوضع أكثر.
وقال الشمري في بيان اصدره بتاريخ 15 أيار/مايو العام الماضي، إن "إسراع الحكومة بتوفير التخصيصات المالية لوزارة الصحة والبيئة أمر لا يمكن التأخر فيه من أجل القيام بواجباتها كافة لمكافحة الفيروس".
ولفت إلى أن "العالم يسرع الخطى وعلى مختلف المستويات لمكافحة كورونا وبكافة الوسائل، وعلينا عدم الانتظار لزيادة كبيرة بعدد المصابين حتى نخصص الأموال اللازمة لمكافحة".
وشدد على "ضرورة البدء الفوري بشراء واستيراد الأجهزة والمعدات الطبية والصحية الخاصة بالكشف ومكافحة الفيروس، بالتوازي مع اتخاذ إجراءات حكومية فاعلة لمحاسبة كل من يخالف تعليمات الوقاية والحظر الطبي الوقائي، والبدء بخطوات سريعة للعزل والحظر المناطقي مع الأخذ بنظر الاعتبار فرض الحظر الشامل مرة أخرى إن تفاقم الوضع أكثر".
وفي ذات السياق، قال محافظ بغداد محمد جابر العطا، أنه "دعا الحكومة لفرض حظر شامل للتجوال في العاصمة، نتيجة تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا، لكن الزحامات وعدم تطبيق الحظر بشكل صحيح رفعا الاصابات في العراق".
وهناك عامل مهم هو عدم تمكن الحكومة العراقية من معالجة الآثار المعيشية والاقتصادية الناتجة عن الإجراءات الحكومية لتقييد حركة المواطنين للحد من تأثير الجائحة، التي سببت الضرر الكبير لأصحاب المهن والمصالح الحرة، وأوقفت أرزاق الكثير من العمال الذين يكسبون قوتهم من عملهم اليومي، وأصبح المواطن العراقي أمام ضغط مزدوج هو الجائحة والحالة المعيشية، لذلك استمر تجاهل الإجراءات والتعليمات الحكومية خلال الشهور الأولى لانتشار الفيروس، وذلك رغم ارتفاع معدلات الإصابة وانتشار الأخبار عن كوارث تجتاح دول أخرى وبالخصوص إيران المجاورة.
وفى حين شاهد العراقيون ارتفاع أعداد الإصابات، ورأوا أيضًا تأثير الفيروس في الداخل وبين بعض الشخصيات العامة المحببة لهم في البلاد، فمن بين المتوفيين جراء الفيروس كان هناك رياضيين وإعلاميين وفنانين وأعضاء في البرلمان والنجم الدولي الأكثر شهرة في العراق احمد راضي الذي أفجع العراقيين بمختلف مستوياتهم.
وفي الوقت الذي توقع فيه الناس قيام حكومة الكاظمي بعد تشكيلها، بفرض حظر شامل للتجوال، أقدمت الحكومة على تغيير تكتيكاتها باتخاذ استراتيجية جديدة، هي حظر التجمعات والسماح بالتجوال، مع ترسيخ مفهوم التباعد الاجتماعي والالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة.
ورغم إعلان الكاظمي منذ تسلمه رئاسة الحكومة في 6 مايو آيار 2020 أن مواجهة وباء كورونا من أولى أولويات حكومته، إلا أنه لن يتمكن من إيقاف التدهور في الخدمات الصحية. كما أدى عجز المؤسسات الحكومية، والإهمال، والفساد، وأنظمة الرعاية الصحية غير الملائمة، والاضطرابات السياسية الى امتناع معظم العراقيين المصابين عن التوجه للمستشفيات الحكومية واختيارهم الحجر المنزلي، ما فاقم الوضع وانتقل الفيروس في بعض الاحيان من الشخص المصاب الى بقية افراد العائلة.
وأدت الزحامات في الطرق العامة والفرعية سواء في السيارات أو اللقاءات التي تحدث بين المواطنين، لضياع الساعات وفقد الأرواح بسبب انتشار فيروس كورونا،
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.