تقرير..
أحمد هادي- بغداد
تصنف النفايات الخطرة كواحدة من أكثر الملوثات سمية على البيئة في المدن، وفي مدينة مثل العاصمة بغداد التي تضم 8 ملايين نسمة فأنها تحتاج الى فرق متخصصة ومدربة للتعامل مع تلك الملوثات.
وللسيطرة على النفايات الخطرة والحد من أضرارها على البيئة والصحة العامة، قامت العديد من الدول بوضع تشريعات للسيطرة على النفايات الخطرة والتخلص منها بطرق آمنة للحد من مخاطرها المحتملة على الإنسان، والحيوانات والنباتات. لكن العراق بقي متأخرا في هذا المجال ولم تتعامل جميع الحكومات المتعاقبة بجدية مع هذا الملف.
ولسهولة تصنيف هذه النفايات فقد تم وضعها في خمسة مجموعات رئيسية، وهي: مواد مشعة، مواد كيميائية، نفايات بيولوجية، نفايات قابلة للاشتعال، ومتفجرات. ووفقا لذلك يشكل العراق بيئة خصبة لتوافر جميع أنواع تلك النفايات.
وفي تشرين الثاني 2018 اعلن العراق انضمامه الى مشروع تعديل اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود والتي انضم اليها العراق بالقانون (3) لسنة 2009. وتعد هذه المعاهدة من اهم المعاهدات الدولية التي تم تبنيها للحد من تحركات النفايات الخطرة بين الدول، وعلى وجه التحديد لمنع نقل النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة إلى البلدان الأقل نموا، ومعالجة حركة النفايات المشعة.
وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة عن معدلات التلوث الناتج عن النفايات الخطرة بسبب افتقار الجهات المعنية في العراق إلى المعدات والخبرات اللازمة، صدر مؤخراً تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأميركيين في "مركز دراسات الحرب" في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وأشار التقرير إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.
يذكر بان مركز الإشعاع والطب النووي التابع لوزارة الصحة العراقية كشف في تقرير رسمي في 2019 عن أن العراق يعاني من "كارثة صحية" وذلك بارتفاع حالات الإصابة بمرض السرطان بعد تسجيل قرابة 7000 حالة سرطان في العراق خلال عام 2010.
ويقول الخبير البيئي علي الصالحي ان "تجاهل الحكومة لملف النفايات الخطرة تسبب بارتفاع تلوث الهواء وانتشار الامراض والاوبئة"، لافتا الى ان العراق لا يملك أجهزة مختصة ولا فرق طبية للتعامل مع عشرات الأنواع من النفايات الخطرة، بينها ملف النفايات الصحية، والنفايات الاشعاعية، ولذا فان المستشفيات الحكومية تحولت الى بؤر لانتشار الامراض".
وعن الإجراءات التي تتبعها وزارة البيئة للحد من تلوث الهواء يشير مدير عام الدائرة الفنية التابعة لوزارة البيئية العراقية قاسم بلاسم خلف، إلى وجود تنسيق مشترك بين وزارته والمؤسسات الأخرى كوزارة الزراعة والمرور العامة والبلديات وأمانة بغداد لاتخاذ التدابير الأزمة كزرع البؤر المسببة للعواصف الترابية بغطاء نباتي وزيادة الأحزمة الخضراء التي تحيط بالمدن لتحسين نوعية الهواء بالإضافة إلى رفع المركبات القديمة من الشوارع لما تسببه من تلوث كبير على تلوث الهواء فضلاً عن تحسين نوع وقود الكازولين أو استخدام التكنولوجيات النظيفة بيئياً في المعامل أو وسائط النقل.
من جانبه يكشف مدير شعبة الأمراض الانتقالية في مدينة الطب ببغداد، الدكتور أحمد عكلة داود عن ارتفاع نسبة الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي في العراق، مشيرا الى أن هذه الأمراض وصلت أعلى مستوياتها خلال العقود الماضية بسبب الحروب المتعاقبة وعدم اهتمام الدولة بصحة الإنسان والبيئة بالإضافة إلى الأحداث التي تلت عام 2003، بعد سقوط نظام صدام حسين، وما نتج عنه من انهيار كامل لمؤسسات الدولة.
وعن الأمراض الناتجة من التلوث البيئي يقول داود إن نسبة الإصابة بالأمراض المتسرطنة كالأورام والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب ازدادت في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والعقم، "وكل هذه الأمراض ناتجة عن التلوث المستفحل في الهواء والماء والتربة". ويضيف داود بالقول إن انخفاض معدلات الأعمار في المجتمع العراقي بالإضافة إلى كثرة الإصابة بالأمراض المزمنة التي تصيب الصغار والشباب بعد أن كانت تصيب الإنسان بمراحل متقدمة من العمر "كلها ناتجة عن التلوث البيئي"
ويبين مدير عام الدائرة الفنية بوزارة البيئية، عن وجود ارتفاع كبير في نسبة تلوث الهواء الجوي في اغلب المدن العراقية، والذي تبلغ ذروته خلال فصل الصيف بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة التي تصل إلى درجات قياسية تفوق الخمسين درجة مئوية.
ويقول الناشط والكاتب عبد العظيم نصار ان "عدم اتباع الأساليب الحديثة من رفع النفايات واعتماد الأساليب الكلاسيكية وتحجيم البلديات بالعراق هو عملية غير مدروسة حيث تحول منصب رئيس البلدية إلى منصب مدير البلدية سنة 1970 مخالف لما موجود في دول العالم المتحضر ويجب أن تتوسع مسؤولية البلديات لتشمل الجهاز الصحي الرقابي وأجهزة اطفاء الحرائق وأجهزة النقل والماء والكهرباء وجميع مفردات العمل الإداري والخدمي التي تخص المواطن ضمن حدود البلدية".
ويوجه نصار دعوة الى الحكومة العراقية بالقول ،"لنسارع في اللحاق بركب الدول المتحضرة التي عبرت مشكلة النفايات وحولتها إلى مورد اقتصادي وصناعي وطاقة منتجة تخدم بلدانها، فعلينا الابتعاد عن العمل التقليدي ونخطط بخطط مستقبلية محسوبة نبني بها عراقنا ونعطي انطباعا علميا لتطوره واعماره وفق أسس علمية معتمدة".
التقرير بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من أجل حقوق الإنسان jhr